
يبدو أن حركة النهضة وأتباعها أصبحت ترتعد فرائصها كلما سمعت بدعوة إلى تجمع في ساحة باردو مستعيدة تجربة اعتصام سنة 2013. ففي السنة الماضية وبعد محاولة مجموعة من الأحزاب ومنها حركة النضال الوطني والجمعيات تنظيم تجمع يوم 14 جوان 2020 في ساحة باردو للمطالبة بتغيير النظام السياسي أغلقت قوات الأمن الساحة وتمركزت في كل مداخلها بأعداد غفيرة وبمعدات مهولة ومنعت أي مواطن من الاقتراب حتى من محيطها. وقد اتخذ آنذاك مجلس بلدية باردو ورئيسه النهضاوي وبموافقة بعض أعضائه من “التيار الديمقراطي” قرارا بغلق الساحة بتعلة الحرص على “سلامة صحة سكان باردو“. كما تم منع شركات النقل في الجهات من كراء الحافلات وأعادوا من نجح في تدبر وسيلة نقل للالتحاق بالتجمع من حيث أتى.
واستعرت أصوات النهضة وأبواقها للتنديد بمن سمتهم “أعداء الثورة في الداخل والخارج” وادعت أن التحرك فاشل وتبعها بعض أتباعها مثل عصام الشابي الذي تحدث عن “انقلاب على الشرعية” محذرا من “مخطط طويل الأمد تقف وراءه مصر والإمارات”. وركب آخرون على الحدث كمصطفى بن جعفر وسلمى اللومي ومحسن مرزوق بالدعوة للحوار كطوق نجاة لمنظومة الخراب كلما اشتد الضغط وشعروا بأنها مهددة.

وفي يوم 5 جوان 2021 يعاد نفس السيناريو مع الحزب الدستوري الحر الذي قرر الدخول في اعتصام مفتوح في نفس المكان للمطالبة بإزاحة منظومة الإخوان فتم منعه من التجمع وعُزل نواب كتلته البرلمانية وسط الساحة وطُرد كل من حاول الاقتراب منهم ما جعلهم يباتون في العراء وتمنع عنهم أية وسيلة تقيهم الشمس الحارقة مما نتج عنه إصابة رئيسة الحزب عبير موسي بضربة شمس استوجب نقلها لتلقي العلاج.
إن حركة النهضة مستميتة في البقاء في البرلمان وهي متخوفة من تكرار سيناريو 2014 إثر اعتصام الرحيل في باردو الذي كاد يزيحها نهائيا لولا سياسة التوافق التي لجأ لها قائد السبسي. أما اليوم فالظرف يختلف بوجود الحزب الدستوري الحر الذي يتبنى موقفا وطنيا ويرفض أي توافق أو تعايش مع حركة النهضة.
وبقدر ما فتح حل التجمع الدستوري الديمقراطي الباب في 2011 لسيطرة حركة النهضة على المشهد السياسي، بقدر ما تبشر عودة الحزب الدستوري الحر بالقضاء على الإخوان لوضع حد لعشر سنوات من الخراب والدمار الذي طال كل مناحي الحياة وشمل الاقتصاد والصحة والأمن والبيئة والمعيشة..
ولن تسعف الإخوان وأتباعهم هذه المرة محاولات شق صفوف الحزب الدستوري الحر وزعزعة وحدة قيادته أو إزاحتها من على رأس الحزب وتعويضها بقيادة طيعة كما يريدها الأمريكان والمتواطؤون معهم ولن تنفعهم سياسة تفجير الوضع الداخلي بجر القوى الأمنية في مواجهة تحركات الشعب المشروعة في الأحياء الشعبية بالقوة والغاز والإيقافات كما لن ينفعهم التركيز على تغيير القانون الانتخابي بالترفيع في العتبة الانتخابية لاحتكار العمل البرلماني أو تمرير قانون المحكمة الدستورية.. فالقوانين وحدها لن تحل المشكلة لأن المسألة سياسية تقتضي إزاحة النهضة وتوابعها من الحكم. ولن تنفع البعض المزايدة بتجريم التطبيع أو إسقاط الغنوشي من رئاسة البرلمان فلا قانون تجريم التطبيع مرَّ رغم “استعجال النظر” ولا لائحة سحب الثقة من الغنوشي مرَّت.
أما الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لإفراز البديل للأوضاع القائمة فيشترط أن تتسم العملية الانتخابية بالنزاهة والشفافية وأن تكون بإشراف هيئة انتخابات وبقانون انتخابي يفضيان إلى التعبير عن إرادة الشعب دون تزييف، أما إذا وقع التلاعب بالانتخابات وتدخل فيها الأجنبي وسيطر عليها المال الفاسد كما جرى في الانتخابات السابقة فإن نتائج الصندوق ستترك جانبا وسيفرض الشعب كلمته.
إن الحل يكمن في وحدة الوطنيين الذين عليهم وضع اليد في اليد لإنقاذ البلاد وصون سيادتها بعيدا عن الحلول المغلوطة. أما عن الاستفتاء، فالشعب بصدد القيام به يوميا عبر تحركات مختلف فئاته وقطاعاته، أما الحوار فمن المفروض أن يكون في صلب القوى الوطنية لتحقيق وحدتها وتغليب ما يجمعها على ما يفرقها وليس حوارا لإطالة عمر الأوضاع السائدة ومد حبل النجاة لمن تسببوا في خراب البلاد.